الاثنين، 1 ديسمبر 2008

الكوفية عربية " ميّه بالميّه "



أينما وليت وجهك في الدول الأوروبية هذه الأيام تجدها أمامك، على الرقبه و الرأس و الخصر و الصدر، للكبار و الصغار، يلبسها المستقيمون و الشواذ، بألوان الطيف السبعه، مربعة و مستطيله، ثقيلة و خفيفه...إنها الكوفيه العربيه التي أصبحت الموضه الرائجه الان في الغرب بعد أن تزينت بها العارضات متبخترات على الممرات و قد بان منهن ما رق و دق و استدق. سر البعض بذلك و قالوا وصلنا ذروة المجد، و اخترقنا أسوار الحضارة العربية و فتحناها بالأزياء، بالكوفية التي سرقت و مسخت و جردت من قيمتها المعنوية التي نعرفها كعرب. لم يكتفي الغرب بإخراجنا من دائرة الفعل و التأثير في التاريخ الإنساني و الحاضر السياسي بل كان لا بد أيضا أن يأخذوا منا الكوفية التي كانت رمزا للسيادة و الشهامة و الكرم أكثر من كونها قطعة قماش تلبس على الرأس تحت عقال، كان مجرد تغيير شكلها أو هيئة ارتدائها أو نزعها بالكلية دلالة على العقاب و التجريم و الاستنقاص من قيمة صاحبها..
أيام العز و المجد كنا نعرفها بلونين في الغالب الأحمر و الابيض و الأسود و الأبيض، حتى الألوان ذاتها كان لها تاريخ عند العرب، كانت الألوان المعروفة مستمدة من البيئه و مرتبطة بالممارسات الحياتيه و الأخلاقيه و فيها قال الشاعر: سل الرماح العوالي عن معالينا و استشهدي البيض هل خاب الرجا فينا؟
إنا لقوم أبت أخلاقنا شرفا أن نبتدي بالأذى من ليس يؤذينا
بيض صنائعنا سود وقائعنا خضر مرابعنا حمر مواضينا
هذه الكوفية التي لبسها كرام العرب و وجهاؤهم و سادتهم يلبسها الآن "مخنثوا" أوروبا و هم لا يعرفون عن تاريخها شيئا سوى أنها آخر ما تفتقت عنه خطوط الموضة الغربيه فإذا قلت لهم هذه اصلها عربيه، سعوديه أردنيه فلسطينيه مغربيه ترتسم على وجوههم الدهشة و هم بالكاد يعرفون شيئا عن العالم العربي و حضارته سوى ما تقدمه لهم وسائل إعلامهم من كونه موئلا للفقر و الجهل و الحروب و الإرهاب أما البشر فربما ما زالت تصورات بعضهم ان لنا أذنابا تتدلى من خلفنا و نحن نركب الجمال و نأكل لحوم البشر، و ربما هم بعضهم بنزعها اذا عرفوا ان لها أصولا عربيه و بالذات فلسطينيه إذا كانت ميولهم إسرائيليه ترى بعضهم يتمايلون سُكرا من أثر الخمر و يتزاوجون كالأنعام في الشوارع و الكوفية إياها تلتف على جزء من أجسامهم فتحس انك و لو لم تشارك في واقعة الأثم منزوع الهوية، منزوع الثياب، غارق في الخطايا، لم يبقوا لك لا البلد و لا الولد، و لا الاسم و لا الرسم، و لا الأثر و لا العين، حتى الكوفية التي كانت تغطي سوءات التفريط نزعوها عنك تراهم يلبسون الكوفية دون ان يفقهوا معناها فيعود الى ذهنك القول "إنما المرء بأدابه لا بزيه و ثيابه" فكسوة الرجولة لا تصنع الرجولة، و لباس الفخر لا يأتي بالنصر الذي يحتاج تكاملا في المظهر و المخبر، أما الغرب فمظاهر بلا مخابر و أما نحن العرب فكثير منا بلا كليهما كنا نسمع الشاعر محمود درويش و نستغرب من اصراره و تكراره ان يسجل انه عربي في قصيدته سجل أنا عربي، سجل شكل الملامح العربيه و لون البشره ، حتى الكوفيه سجل انها عربيه فقال:
سجل أنا عربي
و لون الشعر قمحي..و لون
العين بني

و ميزاتي
على رأسي عقال فوق كوفيه
و كفي صلبة كالصخر
جذوري قبل ميلاد الزمان
و قبل تفتح الحقب
و قبل السرو و الزيتون
و قبل ترعرع
العشب

كنا نسمع المطرب سيد مكاوي يغني الأرض بتتكلم عربي و يرددها و يرددها و كانها الأغنية كلها و لا كلام بعدها، الأرض بتتكلم عربي و بتقول الله، لماذا التكرار و الإصرار؟؟هل كان يشك أن أرضه ستتكلم لغات اخرى و تعبد ألهه و أصنام عده؟؟ لم تعد الأرض عربيه، و لم تعد تدين بالعبودية لله، لم يعد العرب عربا و انما صاروا عربانا و أنصاف حلول و متشبهين حتى الفول و الفلافل و الحمص سُرقوه، حتى الدبكة لم تكن رقصتنا الأقصى كان هيكلا، و الحرم الأبراهيمي اشتراه ابراهيم عليه السلام و سجله بكوشان باسم اليهود الأوائل الذين ورّثوه للاسرائيليين و المستوطنين امتدت السرقات فأتت على الصغير و الكبير و القنطار و القطمير...فأين المؤرخون لينقذوا الذاكرة و الرموز، ليحفظوا الماضي و الحاضر و المستقبل أيها المؤرخون ...ثبتوا تاريخ الكوفيه حتى لا يسقط عن رأسنا العقال

ليست هناك تعليقات: